محمد عبد العزيز - الكويت
جاء قرار الكويت المفاجئ
بالانسحاب من مبادرة السلام العربية مع
إسرائيل ليضفى مزيداً من الجدل على الساحة السياسية الإقليمية والعربية.
البعض اعتبروه نهاية لحقبة الاستكانة وبداية لعصر القوة.
على النقيض ذهب فريق آخر من المحللين إلى كونه قراراً مرر فقط لامتصاص
الغضب الشعبي والبرلماني بالكويت، مقللين من أهميته، ومرجعين ذلك إلى أن
المبادرة ليست قائمة حتى يؤثر انسحاب الكويت منها من عدمه، مشيرين إلى أن
الحكومة الكويتية سوف تعدل عن قرارها قريباً، لكن القرار يظل غير واضح
وملزم بحسب محللين.
الانسحاب مؤثر سياسياً وأدبياً
وأشار النائب هايف المطيرى في تعليقه
لـ"العربية.نت" إلى أن القرار له تأثير قوى على الدول العربية الأخرى من
الناحيتين السياسية والأدبية معاً، خصوصاً في ظل وجود التجاوزات
الإسرائيلية وخرقها للمواثيق الدولية والقوانين والأعراف، وإصرارها على
الجرائم المفتوحة التي تشكل جرائم حرب.
وأضاف أن المجلس لم يجبر الحكومة على الموافقة، إنما جاء ذلك وفقاً لرغبتها
ولم تبد أي ملاحظة، حتى أن ناطقها الرسمي قال سنتفاعل بإيجابية مع هذا
الملف.
مسامير في نعش المبادرة
ورأى المطيرى أن الفعل الإسرائيلى قوى
ومجرم،
لذا لا بد أن تكون ردة فعل الحكومات العربية عليه بنفس القوة، ولا بد أن
يتحرك الجميع على نفس مستوى الحدث، داعياً جميع الدول إلى أن تحذو حذو
الكويت.
وعن إمكانية تراجع الكويت عن قرارها بالانسحاب قال المطيري: المبادرة
العربية ليست إلا حبراً على ورق، هى كيان قضت عليه الجرائم الصهيونية
المتتالية منذ سنوات، ودقت مسامير في نعشه، فكيف لهذا الكيان الميت أن
يفيق، فالكويت حال تراجعها فلن يخلف ذلك مربحاً، وعليها أن تتحمل الغضب
الشعبي حيال ذلك.
وتابع أن موقف حكومتنا مشرف، وأثنت عليه كل الشعوب العربية قبل الشعب
الكويتي، لذلك لا أرى أن الحكومة ستتراجع عنه، متسائلاً: كيف نستمر فى
المبادرة من أناس ينتهكوا حرماتنا ويقتلوا أطفالنا، بل والأشد تنكيلاً أنهم
يتجاهلون هذه المبادرة كل التجاهل.
وزاد المطيرى: يجب إنهاء هذه المهازل، واللجوء إلى حلول قوية تحفظ للعرب
عزتهم وتعيد إليهم مكانتهم بين الأمم، والتي أضاعها الركض خلف الكيان
الصهيوني المتغطرس.
من جانبه، أكد
النائب فيصل المسلم أن قرار البرلمان الكويتي بعدم التزام بلاده بمبادرة
السلام العربية صائب تماماً ومشرف، مشيراً إلى أن الاقتراح قدمه 37 نائباً
من أصل خمسين، أى بأغلبية، والحكومة صوتت بالموافقة، وعليه يجب احترام قرار
المجلس ومعاناة كل من كان على متن تلك السفن، ولا أعتقد أن الحكومة
ستتراجع عن هذا القرار.
ومن ناحيته، قلل النائب خالد بن سلطان من أهمية قرار البرلمان. وقال إنه لا
يخرج عن كونه توصية، مشيراً إلى أنه ليس قراراً، وأن الحكومة الكويتية
ليست ملزمة بتطبيقه إلا من الناحية الأدبية والشكلية فقط، أما من الناحية
القانونية فلا إلزام عليها مطلقاً، ومن الممكن أن تبحث له عن بدائل أخرى
حالما تغيرت الظروف.
لا للتغريد خارج السرب
بينما أنحى النائب الأسبق المحامى أحمد
المليفى باللائمة على الصمت العربي منذ سنوات تجاه جرائم إسرائيل.
وقال: كان ينبغي على كل الدول العربية أن تحذو حذو الكويت في كثير من
المناسبات الإجرامية لإسرائيل على مدار السنوات السابقة وهى كثيرة، مضيفاً
أن المبادرات قدمت غير مرة وفى كل مرة تقابلها إسرائيل بتعنت وكبرياء، لذا
فكلما قدمت مبادرات عربية تصاحبها تنازلات فلا بد أن يقابلها غطرسة ورفض
اسرائيلى وإصرار على الإجرام، فأرى وفقاً لتلك المعادلة أن أى تنازلات ليست
فى صالح القضية الفلسطينية.
استثمار الفرص الحالية
وقال إن مبادرة الكويت بإعلانها
الانسحاب من
مبادرة السلام هي خطوة جيدة لكن عليها ملاحظات، فكان لا بد من وجود تنسيق
مع الإخوة العرب قبيل اتخاذها، حتى تكون رسالتنا قوية وواضحة ووفق قرار
عربي متسق، تنذر الكيان الصهيوني بأن العرب سئموا ولن يستطيعوا تحمل صلفكم
وجرائمكم ضد الشعب الفلسطيني وحصاركم الظالم على قطاع غزة، مع ضرورة
استثمار الموقف التركي لصالح الطرف العربي، فضلاً عن الدعم الأوربى القوى
حالياً، والطفرة التي حققتها سفن الحرية فى كسب التأييد العالمي والتعاطف
الشعبي تجاه غزة.
وتابع المليفى: الانسحاب الكويتي وحده لن يكون ذا تأثير قوى، "خاصة في ظل
الأوضاع الراهنة والجبروت الإسرائيلي"، إنما لا بد أن يصحبه تحرك دبلوماسي
عالي المستوى لإقناع الإخوة العرب وخاصة دول الإقليم بالسير على هدى الكويت
في هذه الخطوة.
وزاد أننا نثمن موقف الحكومة بموافقتها على التوصية البرلمانية دونما تحفظ،
لكن لا نريدها أن تغرد خارج السرب العربي، على الرغم من أن الموقف الكويتي
نابع من منطلقات قومية ووطنية، والقضية لديها شعباً وحكومة تستند إلى
المبادئ مع فلسطين، ولا ننسى مقولة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر عقب الغزو
حينما قال لو عقد الجميع اتفاقية مع إسرائيل سأكون آخر من يوقع رغم موقف
الفلسطينيين من الغزو وقتها.
الحكومة وافقت رغماً عنها
وعاد المليفى ليوضح أن قرار البرلمان
الأخير
لا يعدو كونه توصية غير ملزمة، ويمكن للحكومة التراجع عنها بعد أن تسوق
مبررات ذلك للبرلمان.
وتحدث عن سيناريو آخر للموقف بأن تقدم الحكومة تحفظاتها للجامعة العربية
بشأن المبادرة، بعد إجرام إسرائيل الأخير، كما يمكن لها أن تجمد موقفها من
مبادرة السلام إلى أن يتغير الموقف الاسرائيلى، لكن يبقى بالأخير موقف
الحكومة إيجابي وأعتقد أنها ستسعى من خلال المنظومة العربية إلى إقناع
الآخرين، كونها صاحبة مبدأ في هذا الأمر كما سبق.
من ناحيته، أكد البرلماني الأسبق مبارك الدويلة أن الحكومة الكويتية صوتت
بالموافقة على هذا القرار رغماً عن أنفها، وعكساً لإرادتها، مشيراً إلى أن
القرار جاء نتيجة لضغوط شعبية وبرلمانية مورست على الحكومة كردة فعل لعربدة
إسرائيل وقرصنتها في البحر المتوسط أخيراً.
ورأى الدويلة أنه لا مجال للحكومة لكي تتراجع، بل على العكس فإنها على
أعتاب قيادة دور ريادي بالمنطقة حال إصرارها على موقفها بالانسحاب من
المبادرة، وذلك بأن تحاول استثمار المعارضة الشعبية الإسلامية والعربية
لإجرام إسرائيل، فضلاً عن نفرة مؤسسات المجتمع المدني ومحاولاتها الضغط على
حكوماتها لاتخاذ موقف صارم ضد إسرائيل، يجب أن تستثمر الكويت كل ما سبق
لتكون رائدة في هذا المجال وقدوة لبقية الدول العربية.
وارتأى الدويلة أن الأجواء مهيأة الآن أفضل من أى وقت مضى لقيام الكويت
بهذا الدور بعد أن تعرت إسرائيل أمام العالم وكشفت الوجه القبيح لها وتبين
للمجتمع الدولي أن السلام بعيد المنال ولا يمكن الحصول عليه في ظل التعنت
الإسرائيلى الحالي، لذا فأي تلميح بإعادة المفاوضات سواء المباشرة أو غير
المباشرة مع الكيان الصهيوني سيقابل بتعنت وعربدة إسرائيلية وبالتالي مزيد
من إهدار الكرامة العربية.
القرار غير ملزم
أما فيما يتعلق بمدى إلزام الحكومة
الكويتية
بالقرار من عدمه، أوضح الدويلة أن المبادرة العربية ليست إلا إحدى قرارات
جامعة الدول العربية، والكويت تملك قرار الانسحاب منها في أى وقت، خصوصاً
أنها ليست في حيز التنفيذ، والطرف الأخر لم يتعاط مع المبادرة بشكل إيجابي،
مشيراً إلى أنها ليست قائمة ليقال أن الانسحاب الكويتي سيؤثر على
مجرياتها.
القرار غير ملزم للحكومة وهى تملك الرفض أو الموافقة، لكنى أرى أن الانسحاب
في الوقت الحالي أفضل من أى وقت مضى.
ورأى الدويلة أن الحكومة الكويتية لن تجرؤ على خطوة التراجع عن القرار،
لأنها بذلك ستخذل شعبها وتقطع معه حبل الود، وهى لا تريد ذلك.
من جانبه، أعرب النائب فيصل الدويسان
عن استحسانه لقرار الحكومة
بالموافقة السريعة ودون جدل على الانسحاب من مبادرة السلام العربية، مشيراً
إلى أن الهرولة خلف إسرائيل لم تكلفنا سوى إهدار الكرامة.
وأضاف أن توصيات المجلس ليست ملزمة بالفعل للحكومة، لكن الأخيرة وافقت بمحض
إرادتها فلا تراجع عن ذلك، وأكد الدويسان أن قرار الانسحاب سيكون له تأثير
في المحيط العربي.
النائب السيد القلاف قال إن الكويت دائماً ما تتسامى على جراحات الماضي،
وتساند كل من يحتاج المساندة والدعم، مشيراً إلى مواقف منظمة التحرير
الفلسطينية السلبية تجاه الكويت إبان فترة الغزو الغاشم.
وقال إن موقف الحكومة الكويتية نبع من مبادئها التي ترمى إلى ضرورة التكاتف
مع القومية والوطنية العربية، التي معها كان لا بد من اتخاذ قرار الانسحاب
من المبادرة العربية في ظل التعنت والغطرسة الإسرائيلية، مشيرة إلى صعوبة
العدول عن ذلك القرار في ظل الأوضاع الراهنة.
وأضاف أن الكويت بهذا القرار تجدد انتماءاتها العربية، مستذكراً احتضان
الكويت حكومة وشعباً للفلسطينيين بعد أن طردهم الكيان الصهيوني من وطنهم.